Posts Tagged ‘نثريات’

أيامي الحلوة

عبد الرحمن الأبنودي

الأخطاء المقصودة.. الأعمال النثرية

عبد الرحمن الأبنودي

أشجان (24)

Posted: 1 نوفمبر 2017 in نصوص وخواطر
الوسوم:, ,
كانت لما بتحلم، بتحلم نور، وعينيها بتبقى أجمل حور، وأما بتضحك يصحى الفجر من نومه علشان يحضنها فيبدأ يومه.
دلوقت الفجر داير في الليل مجنون وهي شبعت موت مع إنها لسة بتحلم بالملكوت مرتاح مبسوط.

غلاف أمامي

كلام جرايد PDF

أحمد فؤاد نجم

 

إهــداء

 

إلى تجربة شبابية في مجال الصحافة الوطنية الحرة تجربة هزت الوطن من أقصاه لأنها كانت منحازة إلى الفقراء بلا تحفظات. إلى تجربة الدستور التي أصبحت ملك الناس.. والتاريخ 

أحمد فؤاد

تقديم

 

على امتداد تاريخنا الطويل نشأت بين الشعب المصري وحكوماته المتعاقبة علاقة من نوع خاص.. علاقة أساسها عدم الثقة واللؤم المتبادل فالحكومة تعرف أنها لم تأت إلى مقاعد السلطة عن طريق الحلال ولذلك فهي تحمي نفسها ومواقعها بالطرق التي تراها مناسبة لظروفها ولكنها وفي كل الظروف تزعم إنها تمثل الشعب تمثيلاً ديمقراطيًا حقيقيًا ولا تترك مناسبة تمر دون أن تؤلف أرق قصائد الغزل في سواد عيون الشعب المصري الحبيب! ومن جهة أخرى يعرف الشعب أن هذه الحكومة أو تلك لا تمثل مصالحة الحياتية ولكنها دائمًا في حالة حب ضد هذه المصالح المتعارضة تمامًا مع مصالح مغتصبي الحكم.. والموروث الشعبي المصري زاخر بالمقولات والأمثال الشعبية التي تلخص علاقة الحاكم بالحكومة على ضفتي النيل الخالد وخد عندك – أعمل أبعد إيه في الحكومة ولا توريها من مش عارف إيه؟ – و – الإيد اللي ما تقدرش على قطعها بوسها – و – إن حكمك الندل طيعه.. وإن حكمته أدبه – و – إن كان لك عند الكلب حاجه.. قول له يا سيدي – و – إن كان دراعك عسكري إقطعه – و – يا فرعون إيه فرعنك؟ قال مالقيتش حد يردني – و- إن لقيت بلد بعبد العجل.. حش وارمي له – و – اللي يتجوز أمي أقوله له يا عمي – نظام تلقيح يعني واللي في القلب في القلب وقد اكتسبت الحكومات المعاقبة الخبرة في التعامل مع هذا الشعب اللبط اللي عارف إبليس مخبي إبنه فين وبيستعبط وعامل نفسه مش فاهم حاجة وإوعى تصدق إن الحكومة مصدقة الشعب أو العكس.. الاتنين فاهمين بعض كويس وهارشين بعض تمام التمام بدليل إن أي ريح طيبة تأتي أخبارها من قصور الحكام المدججة يسميها الشعب المصري – كلام جرايد – يعني أونطة لأن الجرايد بتاعة الحكومة لكن لما حصلت تجربةالدستور الناس صدقوها وأقبلوا عليها بشكل أفزع الحكام مع إنهم يملكون كل أجهزة الإعلام الجبارة المرئية والمسموعة والمقروءة التي تسبح بحمدهم ليل نهار وتدعو لهم بطول المكوث على كراسي السلطة وقلوب الناس وقد بلغ بهم الفزع مداه حين قاموا بإغلاق صحيفة الدستور ضاربين بمصداقيتهم الديمقراطية المزعومة عرض الحائط.. يا صديقي القارئ.. مجموعة المقالات التي يحويها هذا الكتاب هي ما استطعت إنقاذه من الضياع لأنني لا أحتفظ بأصول مقالات ضمن مالا أحتفظ به من كل الأشياء.. وإنني إذ أقدمها لك الآن وأرجو أن تتقبلها بصدر الصديق وتقرأها بعين الإنصاف..  (المزيد…)

خلاصة الكلام PDF

أحمد فؤاد نجم

 

خلاصة الكلام

هذا كتاب اقتصادي سياسي فني ثقافي رياضي، مكتوب بالفصحى وبالعامية حسب التساهيل.. وشمس الأصيل دهبت خوصي النخيل يا نيل. 

فاجومية لا يعجبها العجب، ولا الصيام في شوال ورجب، صباعها مش تحت ضرس حد، والسبت عندها زي الحد … تلوش أجعصها جعيص لو خرج عن حدوده، وتآكل المش بدوده، ولا تمدش أيدها لجنس لئيم … 

ما تخافش غير من اثنين: ربنا فوق وشعب مصر المحروسة تحت، وما تحبش إلا اثنين: أي غزال كحيل العين وأي كلام حليوة وزين. 

فاجومية دابت رجليها وحفيت من اللف ما بين التحرير والعتبة وباب الخلق وروكسي والدقي وباب الحديد وعباس العقاد والموسكي وشارع فؤاد وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الموحدة، واليورو، والين والدولار … وسبع سواقي تنعى لم طفوا لها نار. 

عموكو/ الفاجومي  (المزيد…)

أشجان (19)

Posted: 3 سبتمبر 2012 in نصوص وخواطر
الوسوم:, , ,
الحب من غير أمل زي الجرح اللي ما بيندمل
ليل ابتلع نهارا، فأصبح أكثر سوادا.
ماذا كان لون الليل  أو لون النهار قبل الابتلاع؟
.. لا ..لا.. لا يهم
ما يؤرقني عن حق أنه ما عاد لدينا نهارا لاختبار لونه الحقيقي

أشجان (14)

Posted: 25 جوان 2011 in نصوص وخواطر
الوسوم:, ,
الإسكندرية
22 فبراير 2011
آه يا حضنها المستحيل، يا قلبها البعيد، يا حبها المعاند.. آه يا إحساسي اللي خاني.
حضني البحر أول ما شافني، بكيت سنيني وخدته في ضلوعي.. “كان واجب عليك تجيني م الأول”.. غرقته بدموعي.. فاض الحنين بينا لبعد الشط بمسافة. من زمان ونا مشتاق، والبعد بينا هو اللي باعد. بعاود من تاني الحكاية: أنا وانت.. مين يفرقنا عن بعضنا إلا الغباء والتردد؟ من زمان وانت بتمنحني اشتهائك.. بتمنحني الحياة، لكن وحيد!.
هعيد من تاني اللي حاسه: ما عادش عندي حاجة اخسرها -نفسي أكسب ولو مرة ف حياتي- انت اللي شايف ما بعد المدى، ونا بيني وبينك خطوتين ودمعتين ونفس أخير. انت اللي شاغل دماغك بالحساب والجبر، ونا يدوب بودع المسافات عند باب القبر.. يدوب بحاول أسيب ذكريات وحكايات ناقصة، كان نفسي تكملها.. كان نفسي تكون ليا، كنت حوهبك أجمل ما فيا.. كل الأحاسيس اللي ناقصة ف حياتك.. كل اللي يكفي أنك تكون انت.
صدقني لو مت ما هتلقى نفسك من تاني، هتكون ساعتها بتشاركني الكفن.. بتشاركني المساحة اللي ممكن نسميها وطن.. العمر اللي ما بيخلصش.. الحب اللي ما بيقبلش الهزيمة، الروح اللي ما بتسمحش للموت اغتصابها، البدن اللي عاش يحلم بملمس إيديك.

أشجان (13)

Posted: 18 جوان 2011 in نصوص وخواطر
الوسوم:, ,
الإسكندرية
22 فبراير 2011

أغرب ما فيك يا بحر ليلك.. طويل وتقيل كالزمن. احنا ما فرقناش الشجن، احنا فرقنا السكات والموت من غير تمن، والرغبة في المشي بالراحة.. ما هيش سماحة إنك تسيب الموج يبوس خد الشطوط، وتسحبه من تاني.. ما عادش فاضل غير إنك تفيض بالحقيقة، حتى لو كانت هتعني انحسارك.

أشجان (12)

Posted: 17 جوان 2011 in نصوص وخواطر
الوسوم:, ,
الإسكندرية
22 فبراير 2011

يسلم شعاع النور الهالل م المراكب، تسلم يا ضي القمر ونس للصيادين، تعظيم سلام للسمك مالي الشبك، وسلام آخير للشمس اللي خارجة تتعايق بعيون البشر متفتحة.. للصبح اللي غارس بكرة بنوره ف قلبنا.. للدم اللي سال ع الرصيف وزين هدومنا كلنا.

سلام.. سلام.. مفيش وقت للدموع.. اتقدموا.. كملوا السير ع الطريق.. الكلمة صبحت للجموع.. مفيش رجوع. هتنورلكوا السكة اللي عرفت رجلكوا.. ابتسامتي لروحي اللي بتفارق جتتي.

25 مايو 2011

نصحني أصدقاء كثيرون بعمل مدونة أضع فيها كتاباتي ومختاراتي من أعمال لآخرين أثروا في وجداني، وتكاسلت كثيرا حتى وجدت نفسي أجرب في عمل واحدة وفجأة أسقطت في يدي مدونة في نفس هذا اليوم من العام الماضي.

لا أدعي قط أن مدونتي هذه أضافت إلى عالم التدوين السياسي والأدبي الحر الكثير، فبالإضافة لحداثة عهدها جاء نصيبها من الموضوعات الجديدة المكتوبة خصيصا لها قليلا جدا. لعبت زحمة الحياة والغرق في التفاصيل وأشياء أخرى أدوارا مختلفة في عدم مدها دوما بمواد جديدة تعبر عن رأيي فيما يحدث حولي من أحداث، علاوة على ما تجود به الظروف والحالات من نصوص أضعها على سبيل المجاز في خانة الأدب.

مثلا كنت أود كتابة موضوع أسبوعي يناقش، في أي شكل صحفي، قضايا الصراع الطبقي والسياسي والحركات العمالية والجماهيرية بشكل عام، وربما موضوعات أخرى تشتبك مع أفكار وكتابات وإبداعات متنوعة، لم تكن النتيجة سيئة عموما فقد كان متوسط معدل الكتابة مرة شهريا بدلا من كل أسبوع، مما جعلني لا أتفاعل بشكل دوري مع الأحداث الهامة لأسباب كثيرة منها انشغالي بشئون حياتية أخرى.

بالطبع مدونتي هي أنا، ولكن أنا هذه لا تعني فقط إنتاجي الخاص الذي لم يتجاوز 12% من إجمالي المواد الذي تجاوز عددها الألف و500 مادة بقليل، ربما أعمال آخرين أثرت ولعبت أدوارا مختلفة في تشكيلي الفكري والوجداني يعد وجودها وبكثافة في مدونتي تعبيرا بليغا وواسعا عني يتجاوز حدود الوقت والفرص المتاحة لأن أنتج بنفسي أشياء تعبر في مجملها عن توجهاتي الفكرية والسياسية والإبداعية.

على أية حال لا أخفيكم سعادتي بالمدونة، ربما لأنها المساحة الوحيدة في حياتي التي أتحرك فيها دون أن أكون مضطرا لفعل بعينه، ففيها أصنع فقط ما أريده حتى دون النظر لوضعي بصفتي مناضل اشتراكي. فليس بالهام مثلا أن تكون مدونتي قادرة على ملاحقة الأحداث، بالعكس فرغم أهمية الأحداث وبالذات ما شهدته الشهور الأربعة الأخيرة من ثورة شعبية، فالمدونة مساحة للهروب من ثقل العالم الخارجي أكثر منها انغماسا فيه. والهروب لا يعني هنا التنصل من المسئوليات بما فيها الاشتباك، ولكن أقصد بدقة أنه هروب استرخائي تأملي لتوسيع مساحة الفهم لتفاعل أفضل.

لقد ظلت مدونتي المتواضعة أمينة للفكرة التي على أساسها ظهرت للحياة، أنها تعبر عني بلا أي تجميل أو تعديل في وضعيتي. صحيح كان ينبغي أن استخدمها، كما يعبر اسمها، كسلاح لمحاربة الوحدة والكآبة، ولكن أظن أن متابعي المدونة الأفاضل سيلتمسون لي العذر في إنني حاولت في حربي هذه دون أن يكتب لي بعد الانتصار بشكل كامل ونهائي. وفي النهاية يكفيني أني ما زلت منتشيا بفكرة الكتابة وحالة التعبير عم يجول بخاطري من أفكار وأحاسيس.

كنت أنتوي الاحتفال بالعام الأول من ميلاد مدونتي المتواضعة بطريقة غير تقليدية، ولكن للأسف لم اصل بعد لطرق بديلة تعطيها حقها، فلتسامحني مدونتي إذن أو فلتمتنع عن استقبال أي مادة جديدة بها اعتراضا منها على عدم قدرتي على الاحتفاء بعيدها الأول، ولكني سأظل على عهدي معها بأن أحاول دوما أن أكتب كي لا أكون وحيدا، ربما إذ نجحت أشعرها فيما تبقى من عمرنا بشيء من التحقق والسعادة.

http://is.gd/wwWVHQ

http://is.gd/7su1rc

http://is.gd/3qOWyZ

من الأساطير القديمه ان «أبو الهول» كان واقف على باب طيبه يسأل كل من يدخلها عن حيوان يمشى الصباح على أربعه والظهر على اتنين والعصر على تلاته.

اللغز حيّر الألباب وماتت على الباب أمم من الرحالين وأهل العلم والحكماء.

دلوقتى الطفل فى المدرسه يقدر يقول لك «الإنسان» بيمشى الصباح على أربعه يعنى بيحبى على إيديه ورجليه والظهر يعنى الشباب تنفرد قامته والعصر لما تدركه الشيخوخه يعجّز ويتعكّز على رجلين من الصلصال ورجل من الخشب.

يعنى كلنا لازم نعجّز ونتعكّز ونفنى؟!

لكن لغز أبو الهول اللى يسرى معناه على كل عود إنسان وطير ونبات يعصى عليه التاريخ تعصى عليه الإنسانيه.

كانت بتحبى على أربعه ووقفت على اتنين. لكن بدال الرجل التالته اللى هىَّ من صنعة الإنسان، صنع الإنسان رجلين وإيدين مالهاش عدد ولف كل الأرض، وصنع الإنسان أجنحه وطار وطال السماء، وصنع الإنسان تاريخه.

ونرجع نبص لورا، قبل الزراعه وقبل الرعى، للأول الأول، للظلام المطوّل، نلقى التاريخ فى كل قفزه يحتاج لألف سنه. ولما هلّ عصر الحضاره: السرعه زادت..  لكن من ميت سنه لميّه لما تقدر تتحقق من الخطوه وتجسها بالشبر، وفين لما تفهم ان الليالى كل مادا بتخف عتمتها وكل مادا بتتقدم وتتطور وتترقى، من جيل لجيل ومن عشر سنين لعشر سنين، قلت إيه، من سنه لسنه ومن يوم ليوم التاريخ عمال بيجرى ولا جنس كاتب وشاعر إلا وبينهج وراه.

علشان كدا أنا عندى بيت من الشعر زى النور، محدوف علىَّ مره واحده أوله وآخره.

«قال التاريخ أنا شعرى اِسْوَدّ»

البيت دا قلته إزاى؟ البيت دا أنا قلته على جثمان شهيد.

يا أول مايو عيد الورد والعمال مش كنت فى مبدأك يوم الشهيد، مش كنت ليل باكى، محزون فى طرحة أرمله، متعشى لقمة يتيم، صبحت يوم الغضب، يوم الاحتجاج، يوم العلم فى الطريق، صبحت يوم الكفاح وصبحت يوم النصر.

يا أول مايو عيد الورد والعمال مش صاحبك اللى كان اسمه العبد. اللى ماكانش له صوت ولا وطن. العبد اللى قال عنه عنتر لا يكر، القن اللى رجله اتكتفت فى الأرض، قلنا النهاردا امتلكنا الأرض ولفينا نطاقها وخرجنا منه وانطلقنا فى الفضاء.

قلنا النهاردا شعر التاريخ اسْوَدّ. قلنا النهاردا اسمنا العامل وأول ماده فى الدستور فى أكتر من بلد بتقول أنا دولة العمال.

أبناء العمال النهاردا بيملكوا أعظم سلاحين فى الدنيا: الدم والصواريخ، لكن بأمر السلام.

اتغير التاريخ واتغيرت الأيام وميدان عابدين صبح ميدان الجمهوريه اللى رئيسها يقول : أنا العامل.

يا أول مايو عيد الورد والعمال أنا قبل ما احكى حكايتك فضفضت عن قلبى.

أنا دلوقتى أحيى الشهداء واركع على قبورهم.

أنا فى أول مايو أبّ يقول: ريحة الرضعان أسامى الشهداء.

أنا فى أول مايو شاعر باتولد وباقول: إحنا ولادكم، يا آباء شهداء إحنا ولادكم.

إحنا ولادكم
يا آباء شهداء إحنا ولادكم
ياما تزحف تحت الأرض جدور
علشان الفرع يشوف النور
ويحط عليه ويشيل عصفور
بيغنى ليالى استشهادكم
إحنا ولادكم
يا آباء شهداء إحنا ولادكم
بتغنى ونطوى ليالى البين
شرق وغرب فى عرض الجناحين
النار والميه اتجمعوا فى عين
حتغرّق تحرق جلادكم
إحنا ولادكم
يا آباء شهداء إحنا ولادكم
ومشينا الليل ولا خفنا نتوه
وهدانا النور اللى بعتتوه
ولقينا الفجر اللى سبقتوه
حققنا الحلم اللى سعدكم
إحنا ولادكم
يا آباء شهداء إحنا ولادكم
الليل اخضرّ الفجر جديد
وقفتكم وقفه ويومكم عيد
وشبابنا يلف الإيد فى الإيد
عَبّاد الشمس وعبادكم
إحنا ولادكم
يا آباء شهداء إحنا ولادكم

يا آباء شهداء إحنا ولادكم وأيامنا زى البنت اللى أحلى من أمها، لكن أيامكم  الأم هى اللى ضفرت شعرها وشبكت فيها الورده الحمرا وباستها على الجبين.

أنا دلوقتى خاشع ومعصور القلب. أنا بضمير البنوه والحب والعرفان حابدأ حكايتى.

كانت يوليه غير يوليه ومايو غير مايو وكانت مصر فى خامس سنه من الاحتلال البريطانى. وعلى خريطه ما تفرقش الخضره والرمل والبنى آدم يصح نرسم النيل بخط أحمر. أحمد عرابى زعيم الشعب فى المنفى ومعاه أمير الشعر سامى البارودى، صبح هناك عاجز وما عادش بيشوف الدنيا بعينيه. الدنيا كانت عتمه واستعمار فى سنة ألف وتمنميه وسته وتمانين. الشاعر العربى عاجز والعامل حيسقط شهيد. وأنا متعصب  لاتنين: للعرب وللعمال، صاحب قضيه ولوعه، وبابنى فى الشعر أبياتى.

على حبل حسَّاس بيتمرجح بسقـّاله
وعرق دسّاس وكانت ستِّى غسَّاله
بنى آدم ومش آله

ولمَّا أقول شيكاجو ألف وتمنميه وسته وتمانين ماهيش مناظر وباعرضها على شاشة السينما وبيوت تلاتين وأربعين دور بقزاز بيلمع ورخام جديد ويُفط وأنوار العفش المـسـتـّـف والهدوم الحلوه والميه الساقعه فى الكبَّايات وإبريل بيجرى على مايو وربيع زينه، كل دا ما يهمّنيش : القلب عمره ما كانش من برَّه!

أنا مش حانكش القشره علشان الجرح ما يخلينيش أصوَّت، لكن حاكحت البويه علشان أشوف اللى تحتها.

الرأسماليين! …  وحكمتهم – أستغفر الله – زى ما كان سباهى بيقول: «لو ربنا ينزل على الأرض أرشيه» ..  شوف بقى الرأسماليين فى أمريكا .. الشرف أهو كلام والدم بيروح بالصابون ودول ناس نظاف وحالقين دقونهم وبيض وبعيون زرق .. وأنا الحقيقه ماليش فى الوصف كتير.. أنا باحب وباكره …

فيه مثل عندنا بيقول: «أنا واخوى على ابن عمى وأنا وابن عمى على الغريب». دا صحيح لكن مش قوى. حاكم فيه قرابه أشد من الدم، يمكن بانت من الكلام اللى قلته ويمكن نرجع لها ونفيض. المهم … إن فى ظل الرأسماليه الوارف ..  قبل ما يقولوا أنا وأخوى على ابن عمى، بيقولوا أنا على اخوى! أنا على اخوى اللى الشبه بينى وبينه مش كبير.. مش زى المكنه والمكنه ولا السلعه والسلعه ولا الزنجى والزنجى ولا العامل والعامل أيوه العامل والعامل علشان يعيشوا لازم يشبهوا لبعض ولازم يقولوا: إحنا، العامل علشان يعيش لازم يقول أنا مع أخوى ومع ابن عمى ومع الغريب اللى يودّنى.

كلمة أنا ما تحلاش إلا بدفا الجماعه. زى لمّا تخبط على باب الحبايب ويسألوا «مين؟» تقول «أنا» ويعرفوك من حسك.

شبه بعض زى الطوبه والطوبه فى البنيان المرصوص، العمال كانوا ماشيين فى شوارع شيكاجو فى أول مايو سنة ألف وتمنميه وسته وتمانين.

كانت ريحة عرقهم زى البحر الهادى، وزى الموجه ما بتطلع وتنزل كان فيهم القلق والطمأنينه.

كانوا من مصنع الجرارات (مكن للريف اللى جايين منه) وكانوا بيطالبوا بتمن ساعات عمل وكانوا فى مايو شهر الورد والنسمه اللى تحب فساتين النسوان وغصون الشجر.

كانوا ماشيين فى مظاهره سلميّه والحياه ماشيه معاهم. تقول أخوكم الخباز صنع العيش وأخوكم البنا رفع البيوت، وأخوكم النساج كسانى فى الشتا والصيف وحيِّتنى من طرح إيده النجوم على الأعلام.

كانت فى جيوبهم صور الولاد وفلوس فكه. وكانت الرقع على هدومهم بتدارى الفقر وتشهد لحنية الإيد اللى بتشتغل فى البيت.

كانوا باصّين قدامهم وسارحين لبعيد، وكان عددهم كبير من غير ما يشغى وإيديهم عفيه من غير سلاح، وكان البوليس حواليهم.

وكان مطلبهم حق ومقسم اليوم قسمه عادله وشاعريه:

8 ساعات للعمل

وتمانيه للراحه

وتمانيه للنوم

كانوا منغمين التلات تمانيات ومهندسينها فى الكتابه من حبهم للجمال. وكانت خطوتهم على الأرض مسموعه، تخلـّى الشبابيك تفتح وأصحاب الدكاكين يتلفتوا.

كان فيه موده وأمل وكانت الشمس معقوله، وكان فيه أحياناً هدوء، وكان فيه انتعاش واستغراب وخوف. وكان فيه ألف سبب لألف إحساس، وكان الجو مش عادى  فيه منديل بيمسح العرق، وفيه منديل بيخفى البصمات.

على مكتب الجريمه اتفرشت رقعه، مدير البوليس رص عليها العساكر، مستر ماكورميك رص عليها العمال. وبصوا لبعض واتبادلوا التحيه.

فى الدور الفوقانى ومشغلين المروحه ..  فاتحين الشباك .. كاسرين الشمس.

فى إيدين مدير البوليس قنبله ..  فى إيدين صاحب المصنع تمنها.

ـ اطمِّن ! ..  القاضى عارف إن العمال حيرموا القنبله على العساكر والعساكر حيردوا فى حالة دفاع شرعى عن النفس، ما تعرقش .. إرمى القنبله ..  اؤمر الجنود ..  حود البنادق .. جربها على العمال.

اتكنست القواشيط .. صرخت الأرصفه والحيطان .. ماتت عليها الناس من غير ولادها.

أجسام بتحس أكتر من الأول، قلوب اتقطعت بصحيح ..

صوابعنا بتنعض .. بتتندم .. صوابعنا عميا بتقرا فى جراحهم وبتشوف الطريق.

سبقوا الزمن، طيّبوا خاطر الأم.

نزلوا ولادهم فى الميدان بسلاح .. لكن حياتهم هما كانت بتسأل .. حياتهم كانت زى العيّله اللى بتسأل، فتـّـحت عينيها لأول مره، آخر مره، وبتسأل …

ليه لقمة العيش
فى إيدين أعادينا
وآلة الموت
فى إيدين أعادينا
ليه لقمة العيش اللى وارثه الهم
وآلة الموت اللى طالبه الدم
فى إيدين أعادينا
شبعت قيراط لبن الجمايس درّ
الجرارات يمكن عجلها اخضرّ
واحنا انغرزنا فى وحل من غير برّ
ومين يجيبنا ومين يودِّينا
ولقمة العيش
فى إيدين أعادينا
وآلة الموت
فى إيدين أعادينا
أنا كنت حلم فى عين ابوىَ حَبـِِيت
وفى حضن أمى خفت واتخبّيت
فين الولاد نلعب فى حوش البيت
وفين شعاع الشمس يهدينا
ولقمة العيش
فى إيدين أعادينا
وآلة الموت
فى إيدين أعادينا
الليل على حيطان المدينه طويل
من غير شجر والجفن منِّى تقيل
حاولنا نفدى ولادنا جيل ورا جيل
حاولت آباء فى الماضى تفدينا
ولقمة العيش
فى إيدين أعادينا
وآلة الموت
فى إيدين أعادينا
الميّتين ما يعكَّروش الماء
ومن الصليب ما يرفعوش الاعناق
إحلف بخنجر يحفر الأسماء
على خشب من نبت وادينا
من لقمة العيش
تحرم أعادينا
وبآلة الموت
تهلك أعادينا

خفق القلب وارتعشت أطراف المدينه، وانكب أول مايو على مساه الحزين والسيف ما يقطعش السما من الأرض..  والشمس عند الغروب متقنه صنعتها من آلاف السنين. ودى حزينه بجد ..  ودى بهلوانة أمل ..  تهرب من المحاريث من غير ما تخاف وتسقط من الجبل من غير ما تنكسر وتغرق فى البحر من غير ما تموت ..

ومالهاش ذنب فى سراب الصحارى وخداع البصر. إن كانت فى يوم من الأيام فرحت بالمدينه الجديده اللى من غير سور..  أهى النهاردا بتستعجل المغيب من شيكاجو علشان تعيّط فى الدرا وتنوح.

ويولـّع الزيت ويتلم عليه الفراش والناموس. والا البيت لسه ما نوّرش؟ ..  أمنا كانت واقفه على الباب بتستنى أبونا ومافكَّرتش تدخل تقيد الفتيله. إحنا الولاد خفنا من الظلمه وجرينا على العتبه واتجمعنا حواليها، ما طلبناش من أمنا تعشينا. لكن مسكنا فى ديلها وقعدنا نبرق فى الدنيا المغبّشه.

ونجمه جنب نجمه وشباك جنب شباك، الدنيا فضلت تنقط نور.

إحنا ولاد اللى ما رجعش، كل راجل يفوت علينا يقول يا ابنى.

كانوا زامِّين شفايفهم ومترَّبين ويشخطوا فى الجاره اللى تصوّت.

أب فى السجن وأب ميّت وأب متعوّر. ونسوان بيسخَّنوا الميه ويجيبوا الشمع ويطلـَّعوا من الدواليب ملايات بهتانه زى بياض العين.

وكل واحد يبص للتانى ويسكت، زى ما هى ساكته كراسى ماحدّش قاعد عليها وصور متعلقه على الحيطان والباب مفتوح نص فتحه علشان نقرب على بعض وعلشان الحاره ما تبعدش عننا.

شيكاجو حتنام من غير مساء الخير وتمن زنازين فى السجن تستقبل تمن عمال فى ليلة ربيع.

البوليس قمع الإضراب.

الجرايد بكره حتقول شغب وتتكلم عن القنبله اللى رموها العمال وتخش فى بعض التفاصيل وتلاقى شهود عيان ألسن من شهود المحاكم.

وكل الشقا اللى اتعرضنا له واللى ترجف منه الشعراء وتبظ العيون حتكبسه المطابع وتلخَّصه لأبجديتين.

أبجديه من الألف للييه تزيّف التاريخ لحد ما نتعلم ونكتب بالحبر اللى كتبناه بالدم..

وأبجديه من صفر لتسعه .. أرباح .. دولارات .. رقم استهلاك المكن ..  رقم استهلاك العمال ..

المجتمع فى إيد الرأسماليين مجتمع يتقايا أبناؤه يبلعهم السجن. فى السجن أشرف من يتنفس الهواء فى أمريكا: أوجست سبايز وبارسون وزملاءهم، ودى أسامى أجنبيه لازم نعرف ننطقها، ومن غير رطان، أنا المتيَّم فى هوى الأوطان، فى حب مصر اللى بتحتفل النهاردا بأول مايو. أوجست سبايز وبارسون وزملاءهم تمانيه من زعماء العمال اللى قاموا بمظاهرة أول مايو، قبضوا عليهم بتهمة التحريض على الشغب واستخدام العنف وسجنوهم فى انتظار المحاكمه..

المطرقه ناحت على السندان
اتقسّمت كتل الحديد قضبان
الرأسمالى بيملك الآله
الرأسمالى بيسجن الإنسان
الرأسمالى بيملك الآله
أغلال على استغلال على بطاله
يجعل حياتك يا فقير عاله
ويموّتك ويبيع لك الأكفان

يعنى من قبل الولاده لبعد الموت، وأنت فى قبضة ماكورميك صاحب مصنع الجرارات اللى معاه الدستور والشرع والقوانين وتمثال الحريه بشعلته القايده على المينا مقلع ومرسى البواخر فى أواخر القرن التاسع عشر. يا تجاره إنتِ حره ـ رأس مال حر وبلد حره ـ المواطنين كلهم أحرار.

كدب! الحريه دى أخدع من ابتسامة المومس وخضرة الدولارات. الرأسماليين قيدوا المكان والزمن  وسطحوه. الزنزانه لها بُعدين ومالهاش تالت. الأربعه وعشرين ساعه بتقبل القسمه على اتنين وما تقبلهاش على تلاته.

ومدير البوليس اللى اترشى حدف القنبله  على العساكر الأنفار اللى من غير شرايط وقتل منهم قبل ما يقتل من العمال.

غلابه يا اللى علينا مع الأعداء، ما عندناش وقت ولا باقى فينا دموع ولا ينفعناش نعيّط عليكم.

صباح الخير على العمال فى سجن شيكاجو فى التانى من مايو وفرط الأيام اللى باقيه لهم.

صباح الخير عليهم وهمّا واقفين فى قفص المحكمه ـ قضبانه ضلوع التاريخ.

القاضى بتكشيره وشعر أبيض حلفهم اليمين. وبنفس التكشيره ونفس الشعر الأبيض حلـّـف شهود الزور. العداله والشرف والصدق كلام له معنى وله مضمون وجميل وممكن وحقيقى، بدليل إن الإنسان اللى ما بيقدرش عليه بيدعيه ويمثله، ودليل إنه بيكلف بعض الناس حياتهم.

السجن كان أرحم من المحكمه، لأنه صادق فى قسوته ولأنه بيقطع بين البشر وبعضهم بالحديد والأوامر ـ مافيش تمثيل، فى المحكمه، زى ما كتب العامل لابنه، «لا فى الحلفان صدق ولا فى الشهاده صدق ولا فى كلام القاضى صدق إلا الحكم بالإعدام على خمسه مننا وبالمؤبد على تلاته!»

كتب العامل لابنه قبل ما يموت:

أنا باكتب لك يا ابنى علشان تعرف الحقيقه وعلشان كل ما تفكّر فىّ والا تبص لصورتى والا تكلمك عنى ماما، تحبّنى لأنك ابنى من لحمى ودمى ولأنك بتحب الحقيقه.

باكتب لك وأنا فى السجن ومحكوم  علىّ بالإعدام ويمكن أمك تعين الجواب دا عدد من السنين قبل ما تديه لك تقراه، أنا تركت لها حق التصرف وهى أدرى باللى تعمله. اللى كنت بتطلبه منى اطلبه منها وهى مش حتخلى حاجه تنقصك، انت عارف حدود حياتنا.

انت عارف إن أبوك عامل، دى الحقيقه الوحيده فى اللى كتبته الجرايد عنى. اسأل عنى العمال اللى من جيلى، إحنا مشينا وكافحنا كتف فى كتف، علشانكم. علشان ماتتعذبوش عذابنا، ولا تقاسوا اللى كنا بنقاسيه، وكان ممكن أى واحد منهم يبقى مكانى، وتطالبنى ولاده واحكى لهم عن اليوم الأول فى مايو.

باقول لك الحقيقه أنا مش خايف من الموت. أنا راجع من المحكمه وشفت هناك أعداءنا بيكدبوا كأن الكدب حيمد فى أجلهم، لا فى الحلفان صدق ولا فى الشهاده صدق ولا فى كلام القاضى صدق إلا الحكم بالإعدام على خمسه مننا وبالمؤبد على تلاته.

دى مش أحكام قاسيه، دى تلخيص لأيام الشقا الطويله اللى بيعيشوها العمال. ما تعيطش أنا راضى بقسمتى وكان لازم موتى يشبه لحياتى، قاسى زى ما كانت قاسيه، صادق زى ما كانت صادقه، ما اقدرش أقول لك باعتذر، ما أقدرش اقول لك إنى برىء وتهمتى الحقيقيه إنى عامل بسيط وشريف ما رضيتش بحالى ما رضيتش بحال العمال، ما فضلتش فى حالى.

أمريكا كانت ولايات واتجمّعت فى بلد واحده.

الإنسان لازم يتربط بأخوه الإنسان. المكن دلوقتى بيساعد بعضه، كل ترس بيحدف على التانى والسلعه بتتجهز فى رصه واحده. أقدر أقول لك إحنا أقرب لبعضنا من المكن. تقوللى بالطبع. والحياه بتؤلمنا والموت بيؤلم  ولادنا! نعمل إيه؟.. نبدأ من البدايه، نغيَّر الحياه أولاً.. ونورّث ولادنا حياه أفضل.

انت حتفهمنى .. معاك العقل ومعاك والدتك ومعاك العمال.

مش قادر أطوِّل، كنت عاوز آخد و ادّى معاك، لكن مافيش وقت ومافيش مكان. سامحنى..

آخر كلامى أنا حاموت علشان العمال، علشان ولادهم، علشان ولادى.

اذكرنى بالخير

احمل رسالتى زى ما بتحمل اسمى

مع السلامه

العامل اللى كتب الكلام دا واحد من الخمسه اللى حكموا عليهم بالإعدام.. ماكانش حرامى فى سجن من غير قزاز يرشق المجتمع بالحجر، وما كانش قاتل بيستغفر  من القسيس، وما كانش برىء بتلوَّعه الصدفه اللعينه، وما كانش مظلوم..!

لكن راسه مرفوعه – ثابت – رجليه وهو ماشى للمشنقه، رجليه وهو واقف قدام المكنه، رجليه فى مظاهرة أول مايو، رجليه فى التمثال اللى حيتصبّ له، لكن لسه لحم ودم، على آخر سلمه افتكر يوم من الأيام لما ابنه عيط وراه وهو رايح الشغل.

وفى غمضة عين واحده سمع لدقة قلبه زى الخيل، وولد – كل ولد من أب وأم – وبيت ومدرسه وكنيسه وشارع وجزمه جديده وضحك، فرح، عيد، خناقات، صلح، الشمس، رحلة العمّال من الريف للمدينه، الليل،  وردية الليل، وردية النهار، رحلة الجرارات من المدينة للريف، فرحى أنا، العمال، السكه الحديد، الخلفه، – لسه بتحبنى؟، – ابننا.، – كل ولد من أب وأم – تمن ساعات عمل، تمن ساعات  راحه، تمن ساعات نوم، مين اللى حينام؟

تحت الثرى حاقلق مضاجعكم

يا حضرة القاضى، يا مستر ماكورميك، يا مدير البوليس، تحت الثرى حاقلق مضاجعكم

أنا اللى تحت الثرى حاقلق مضاجعكم
ماضى وحاضر ومستقبل حاراجعكم
أولها من أوله مايو ومواجعكم
أنا كنت عامل وكان أملى حليب صافى
قاسى الملامح رقيق القلب أوصافى
بدأتكم بالسلام وطلبت إنصافى
آدى ولادى يتامى
آمنا بالله والإنسان آمنا به
ولكن الوحش ما بيخلصش من نابه
دا اللى طلب منه وردية عمل فى اليوم
وزيها لراحتنا وزيها للنوم
لا عاد ينام ولا يتقلب على جنابه
لكن شهيد للأبد
رسمه انطوى فى الليالى واسمه طاب ونقى
وكان على الأرض نخله رجع إليها نقى
ويومه مهما بعد وخياله مهما نأى
خالد على المشنقه يقلق مضاجعكم

يا عامل أمريكى من القرن اللى فات، كلامك النهارده بيتحول نغم عربى وبتموِّل على قصب أوطانى.

«أنا اللى تحت الثرى حاقلق مضاجعكم» ـ صدقت!

أول مايو النهاردا صاحى فى الميادين ومعيِّد وضحاياه الورد والرياحين وخطوة العمال جيوش وسلام..

أول مايو رافع الأعلام – رسمياً – فى تلات أربع الكره الأرضيه، يقلق مضاجع دول.

نهايتها ـ ولا مفر ـ نهاية مدير البوليس فى مدينة شيكاجو.

اللى ارتشى وكدب علشان يمد فى أجله، اللى غدر خايف الموت ليغدر بيه.

ولاده بياكلوا من اللقمه المسمومه لإنهم مش عارفين، لكن هو عارف.

أنت عارف، وحتمد فى أجلك ازاى؟

البيت دا ساحه، والزمن ساعه، والقدر إعدام!

حتهرب فين؟ الهوا بيلفحك، إرفع ياقة البالطو وارجع لبيتك.

ما تتمناش! الأرض ما بتبلعش حد! شوف اللى قتلتهم أهم لسه ماشيين عليها. ما تحودش. ما تحاولش إنك تحود. لازم تعدّى من شارع أول مايو. لازم تطلع على رصيف أول مايو. أسفلت أول مايو. الشارع اللى ما بيخلصش، اللى بيطلع معاك المكتب، اللى بيدخل معاك البيت، اللى سرق النوم من عينيك والمشنقه من السجن.

عدى من شارع أول مايو ..  أنت مدير البوليس لكن صاحب مصنع الجرارات أذكى منك، والكلب اللى بيفحر فى الأسفلت أذكى منك. أنت جبان! أنت موالس مع العصابات فى شيكاجو وبتاخد اعترافات المجرمين بالضرب. أنت الشحم اللى فى المكنه ما بيستغنوش عنك لكن بيمسحوك، مستر ماكورميك أغنى منك..  والقاضى محترم عنك..  مش دول..  مش دول..  دول دايسين عليك من زمان ما عادش بيؤلموك، أنت دلوقتى معدّى من شارع أول مايو، بتدوس على أرض الشهداء ..بتتألم .. لسه فيك ضمير..

« تحت الثرى حاقلق مضاجعكم »

العمال ضمير أمريكا

رئيس المحكمه اللى حكم عليهم بالإعدام شاهد زور قدام التاريخ وقدامهم.

مدير البوليس بيمسح جبينه من العرق وبينهج زى العتالين فى شغلة الموت.

مش حيشوف القرن العشرين ومش طايل يفكر فيه، بيبص للسنين اللى وراه وبينزلها من غير سلالم، والسما والأرض ظلمه إلا أول مايو.

الورقه البيضا قدامه والموت على الباب.

الموت على الباب
إعترف
ما اتولدتش خاين ولا كداب
اعترف
الموت على الباب جالك
راجل ماهوش من رجالك
ولا حيرثى لحالك
ولا تشتريه بالمال
مكتوب على اللى كفر
يغلب فى آخر سفر
ولا يلتقيش حمَّال..
.. دى مغربية شمس والا سَحَر
مالك..  ومال..
اعترف
مافضلش إلا دقايق
وبعدها تموت
اعترف
اشترى لولادك الرحمه
والشرف والقوت
اعترف
اشترى لولادك الرحمه
لليتامى رضاع
اشترى الحق اللى ضاع
اعترف
شوف ضميرك
اللى رافض الانتحار
اللى خايف م الجحيم
شوف سريرك
زى مركب فى البحار
صلى لله الرحيم
واعترف
دا الموت على الباب
اعترف
ما اتولدتش خاين ولا كداب
اعترف

مدير البوليس سجّل اعترافاته، ومات كأنه مرتاح. فى لون الشمع وفى سن الخريف وفى إيده ورقه.

لكن الورقه اللى سقـّـطها الخريف كانت خضرا ومن العجايب، الورقه كانت بتطلب غصن والغصن يطلب حمامه، والحمامه من بلاد وبلاد، قامت على ميعاد، وزى الطبل اللى بيسمع من جبل لجبل فردت صدرها بجناحات وراحت شيكاجو. مش زى ما باقول، لكن بشقا سهر وتنهيد وبرد وعرق وكسر الأبواب مره واتنين وتلاته، قاموا العمال من كل مصنع، من كل ليل وطريق، يثبّتوا الورقه فى الغصن ويعلقوا الغصن فى منقار الحمامه.

حتقولوا خيال شاعر، وفيها ايه؟.. أنا يا إما عينى مزغلله بالدموع،  يا إما دماغى بتلف من نشوة النصر.

فيها إيه لما أقول الأكمام اللى بتمسح العرق الأكمام زهرت، والعمال مشيوا على السقالات من غير فزع، وما عادش فيه تحتهم هِوّ. على مدد إيدهم الورقه الخضرا شجر ع البر.

مش بمعنى إن العمال مش حينكسروا تانى ولا عاد فيه تانى سجن ولا مشنقه، لكن بداية النصر، هلال .. جنين ..  بذره لو حبيت تقول بذره .. برعم لو حبيت تقول برعم ..

وبسمه للربيع، غنوه، قبله للربيع احتجاجات العمال من كل العواصم «أعيدوا المحاكمة».

واتعادت المحاكمه وما طلعناش منها ببراءه للعمال ولكن عيد، ورد صاحى وعطر فرحان، مسك للقرن التاسع عشر، فى ألف وتمنميه وتسعه وتسعين قرار الأمميه التانيه للأحزاب الاشتراكيه باعتبار اليوم الأول من مايو من كل عام.

عيداً عالمياً للعمال.

وبنحتفل بيه، مصر أم الدنيا بتحتفل بيه. فى ميدان التحرير على خطوتين من عرابى وتمانين سنه ..  دلوقتى بنعرف حاجه اسمها الربيع وأول مايو فى الميدان واخطب وغنّى وقول ومكروفون وطبل والدوله وهات يا عمال…

أول مايو كان لازم يشوف الميدان، النور يشوف النور، الحر يشوف الحريه.

أول مايو – يا سلام

أنا حبيت أقول حكايته بشعر وأغانى، ورحت وجيت وكان قلبى موزع، والكلام اللى أكبر منى أكبر منى بكتير، لكن على قدى..  أهى طوبه، وعرقت فيها، وابقى عامل. واحتفل بأول مايو رافع راسى فاتح صدرى مؤمن بوطنى واقول آسيا وإفريقيا شعوب عمال، جناحين أشداء للسلام، واحنا القلب اللى واصل ما بينهم، عرب على القارتين كنا أمة الكتاب والكرم والشعر والفروسيه ولنا دور فى الجديد ومستهلين كمثل الفجر.

وعنوان على طيبتنا يا أرض أول مايو يا أمريكا إن شاعر مننا قال وكأن أوجست سبايز أو بارسون بيقول، أو واحد من العمال الخمسه اللى اتحكم عليهم بالإعدام وكانوا أمريكان بيقول:

أحلى حاجه يوم أميركا

تبقى دولـه للســلام

سلام على سبايز وبارسون من البشر ملايين ومن النجوم اللى فى السموات واللى على الأعلام واللى من قدح المطارق.

بنحتفل بالشهيد، بنحتفل بالعيد. الفرحه نبتت من صميم الشقا، وأنا اللى حبيت أقول حكاية أول مايو بدأت بغنوه للآباء وفى دمعتى العرفان وفى جبينى الخشوع. دلوقتى دورنا: إحنا الآباء وولادنا قدامنا وبننهى الاستعمار وبنقول سبع ساعات عمل فى سنة ألف وتسعميه وتلاته وستين بننهى الليل وبنروح المدارس مع ولادنا.

غنوه لابنى، غنوه فرحانه، يا اللى اتولدت فى مايو وفى مصر حره، جنين لما ردّت بورسعيد العدوان، يا مصر والشام العرب وحده يا كل خطوه بنصر وكل كلمه بضىّ،  بصيت غميق فى عينيك طلبت الهدايه

أنت للفجر البدايه
وأنا لليل الختام
يا سلام بحّر وقبّل
بالصنايعيه وقبّل
شفة الدنيا فى أوّل
مايو أوّل الابتسام
وانت للفجر البدايه
وأنا لليل الختام
يد عامله يد بانيه
وادى خطوه وادى تانيه
واحنا نقـّصنا التمانيه
واحنا عدّلنا النظام
وانت للفجر البدايه
وأنا لليل الختام
يا جناح فى الجو طاير
بين سنابل وضفاير
شهداء كنا وبشاير
زى أسراب الحمام
وانت للفجر البدايه
وأنا لليل الختام
صِحْيـِـت الدنيا ورأتنا
فى العلالى بمطرقتنا
والهوا مطاوع  رايتنا
والفرس من غير لجام
وانت للفجر البدايه
وأنا لليل الختام
والسدود اللى بتعلى
والسواقى اللى بتملا
بنتى يوم عن يوم بتحلى
وابنى سابق فى العلام
وانت للفجر البدايه
وأنا لليل الختام

وسألت ابنى بتحب إيه فى الألوان قال الخضره وسألته ليه قال إكمنها بتطلع من الأرض وبتعلى .. ورفع إيديه .. أنا قلت له لفوق يا ابنى لفوق .. مش راح تطولنى أنا بس ولا السقف بس ولا السما وبس لكن أكتر من كدا .. المعجزه .. اللقمه لكل الناس والكهرباء فى كل بيت

قال التاريخ أنا شعرى اسْوَدّ قال السد أشكر العمال.
معجزة عمال فى الجمهوريه اللى رئيسها يقول أنا العامل.
ومايو دلوقتى مايو ويوليه ثوره وقرار.
قلنا طردنا الملك
حررنا أوطاننا
أممنا القنال
نقصنا ساعات العمل
امتلكنا الأرض

قلنا النهاردا امتلكنا الأرض ولفينا نطاقها وخرجنا منه وانطلقنا فى الفضاء قلنا النهاردا شَعر التاريخ اسْوَدّ قلنا النهاردا اسمنا العامل وأول ماده فى الدستور فى أكتر من بلد بتقول أنا دولة العمال.

(أنشدت يوم أول مايو 1963 فى سجن الواحات الخارجة)

أسود

Posted: 23 نوفمبر 2010 in نصوص وخواطر
الوسوم:,
17 يونيه 2010

أحاول جاهدا أن أهرب من سطوته، ولكن في كل المرات أجده مسيطرا على كل شيء، اختياراتي لملابسي، لون الحذاء، حتى ملابسي الداخلية، فهو للأسف اللون المحبب -رغما عني- لي. كم تمنيت أن أصاب بعمى الألوان حتى أراه مختلفا، أن يأتي لي أحد بهدية لا تحتويه كلون اساسي من مكوناتها. أنظر في المرآة فأجد لون النن أسود، والهالة التي تحيط عينيَّ، ولون شعري، وربما في أحيان لون وجهي، واعتقد أن قلبي به بقع سوداء بفعل التدخين، أخاف أن انزف يوما فأجد دمي أسودا فاقدا لونه الأحمر القاني.

كان لابد أن أثور عليه، فمطاردته لي في كل الأحيان تجلب لي إحساسا طاغي بالحزن وقرب الموت، هو لون جلباب أمي الذي ارتدته لسنوات حزنا على أبي، وهو اللون الذي يسيطر على كل الأشياء حين تغمض عيناي، فبدلا من تخيل الأشياء بألوانها يأتي بثقله ليهيمن على كل شيء وتسود الظلمة المكان والتفاصيل.

الألوان ليست مهيمنة بفعل قوتها الذاتية، ولكنها حالتك، ربما ترى الأشياء ناصعة البياض والشفافية، وربما ترى الحياة وردية، أو بنفسجية، أو بلون البرتقال أو الليمون، أو بلون آخر يعبر عن نفسه في مزيج تختاره أنت دون أن يفرض عليك من خارجك كقوة غيبية، والأسود هو لون وثيق الصلة بالحزن والاكتئاب والموت، فمن تكون.. تصبح اختيارتك في الألوان.

هكذا سارت حياتي في السنوات الثقيلة الماضية، يغلفها السواد، للدرجة التي جعلتني أمقت هذا اللون من فرط إحساسي بقرب نهايتي تحت وطأته. قررت وقتها بشكل إرادي أن أتخلى عنه، فربما حين تغيب الأشياء عن حضورها الثقيل في شتى تفاصيل حياتك، تبدا في فقد اهميتها وقوتها التي اكتسبتهما بفعل العادة. اخترت قمصانا برتقالية وحمراء، وأنا اعلم أنها لا تتناسب بدرجة كبيرة مع سني الذي اقترب كثيرا من حافة الأربعين، حتى الحذاء ولون الحزام استبدلتهما بالبني، اخترت فرشة أسنان حمراء، وسعدت جدا لانتشار الشعرات البيضاء بكثرة في رأسي.. كل ما أريده فقط أن يصبح الأسود ككل الألوان له مساحته دون أن يكون الأوحد، سيساعدني هذا بالتأكيد على رؤية الحياة بألوانها الطبيعية، لا أن أراها لونا واحدا.

مذلة

Posted: 8 أكتوبر 2010 in نصوص وخواطر
الوسوم:,

..إلى

الضعفاء!!

شبرا الخيمة

20 فبراير 1995

“الفقراء يغفرون كل شيء ماعدا الإخفاق”

“ماركيز”

 

أبي شخص عادي جدا. يعشق الحياة برغم طعمها “الحنظل” ويكره الحرمان. فقط ذرف دمعتين أمامي (ولا أعرف عدد الدموع من خلفي) عندما تركتنا شقيقتي الكبيرة وسافرت بعيد إلى حيث لا نعلم مع من تحب. كان لها بعض الميول والسلوكيات لا تعجب الكثير من الأشخاص. لم أكن أفهمها ولكن كنت معجب بها إلى حد كبير.

بعد اختفائها، كل أقاربي قاطعوا أبي وأمي الحزينة. آخرون أيضا من الجيران فعلوا ذلك. ولكن موقف الحاج “محمود”، صاحب الحال الميسور جدا، الذي لا نعرف له عملا محددا، كان غريبا ومستفزا للغاية. فقد استطاع بدهاء الرجل القادر أن يحرض كل سكان الشارع ضد أبي الضعيف، بحجة أن أبنته: “هربت مع واحد مش على دينها” وأنه لم يبحث عنها ليأتي بها ويذبحها أمام الناس ويغسل عاره بيده ويسترد شرفه. كان يصف أبي بالديوث، ويدعوني باللوطي.

* * *

عندما مات أبي لم يمش في جنازته أحد من أقاربي، أو من الجيران. بعض أصدقائي المقربين لي جدا ساعدوني بالمال والشهامة على تحمل نفقات ومتاعب هذا اليوم.

بعد موت أبي بسنوات طويلة، لم تعد شقيقتي، ولم تكف أمي عن البكاء. كنت أعمل ليل نهار كي لا أرتمي فريسة للملل والوحدة، أيضا كي أواجه نفقات معيشتي أنا وأمي المريضة.

وفي أحد الأيام صحوت على أصوات صراخ وعويل في الشارع. كان صباحا لم أر أجمل منه في حياتي كلها. سمعتها كشدو بلبل يغرد في سماء الجنة.. الحاج محمود مات.. توسعت عيناي وجرى دم البهجة في عروق وجهي. وكورت قبضتي وضربت شيئا وهميا في الهواء. احتضنت أمي المسكينة وقبلتها كثيرا من فرط سعادتي. قررت وقتها أن أبصق على جنازته بملء قوتي، وتمنيت لو أستطيع أن أبول على كل الجالسين في العزاء.

نوفمبر سارق الأحباب

Posted: 7 أكتوبر 2010 in نصوص وخواطر
الوسوم:,
.. إلى أم سيد وإبراهيم فهمي*
اللذان لا يعرفهما أحد!!
الكوادي
30 نوفمبر 1996

للكوادي رائحة الموت، وللموت رائحة الكوادي. من منكم يا إخوان يعرف الكوادي -الكوادي إحدى قرى ريف مصر الحزين- من يعرفها فليذهب ويمشي في جنازة “أم سيد” الليلة في تمام التاسعة مساء الثلاثين من نوفمبر.

منذ متى يا نوفمبر وأنت تأخذ مننا الأحباب؟!

لم يترك نوفمبر هجّام الأرواح يمر، دون أن يسرق أحد منّا. أبي أيضا سرقته يا نوفمبر في يوم عيد ميلاد أخي وتركت له ذكرى حزينة في يوم مولده.

أم سيد حبيبتي.. من منكم لا يعرفها؟! من منكم لم تدخل بيته محملة بأكياس السكر والأرز وزجاجات الزيت وعبوات الشاي في أي مناسبة؟! من منكم  لم تأت له في الأفراح، وشاركته بكل جوارحها في أحزانه؟! من منكم يا موتى لم تمشي في جنازته وبكته كواحدة من أهله؟! من منكم لم يشتر منها الخضار وحلف بدقة ميزانها ونظافة يدها؟! من منكم لم يتجمع حولها وهى بين الحياة والموت في غيبوبة السكر؟! من منكم لا يعرف أنها تأخذ أقراصا للضغط العالي.

* * *

ـ أمي، أم سيد تعيشي إنتي.

ـ أم سيد مين؟!

ـ أم سيد بتاعة الخضار!!

ـ يا لهوي دنا لسّه سايباها.

وخبطت أمي بيد ثقيلة على صدرها دون أن تراعي جرح صدرها المبتور.. أيضا دون أن تتوجع. فقط انفرط قلبها من بين أصابع يدها دون أن تلاحظه.

قولي لي يا أمي: من أين آتي بها كي أقول لها “صباح الخير” وتقول هي “نهارك أبيض، ربنا يسلكلك طريقك يا بني”. من أين آتي بلسانها كي يوبخني على عدم تفكيري في إنجاب طفل تداعبه. هل سأجدها عند عودتي من العمل وأسألها عن صحتها، فتجيبني “الحمد لله رضا على كل شيء، إحنا مش مهم، المهم انتوا، احنا يا الله حسن الختام”. فأقول لها “انتي الخير والبركة”.

قولي لي يا أمي: من شعر بها وهى تتوجع؟ وهل توجعت أم استسلمت بلا مقاومة. كنا نضحك سويا، ولكن حين بكت، بكت وحدها. وحين ماتت، ماتت وحدها. فقط ذهبنا سريعا للكوادي وتركناها وحدها للأرض كي تبتلعها، وعدنا كي تبتلعنا طاحونة الحياة. ألم أقل لكي يا أمي أن للكوادي رائحة الموت، وللموت رائحة الكوادي. لأم سيد رائحة الموت، وللموت رائحة الأحباب.

لمن تركت يا أمي صباح؟! حفيدتها وذراعها اليمنى. آه على صباح فتاة بضفيرتين في حين تقص البنات شعرها على الموضة، ومثبت على صدرها حبتان من فصوص الرمان. لا أظن يا أمي أن أحدا شعر بالدموع وهى تبلل رموش ووجنتي صباح. فقط وحدها شعرت بالوحدة والفراق وبحبات اللوالي الساخنة.

ومن يا أمي سيرى نبتة إبنها محمد، بعدما يزرعها في خصوبة رحم زوجته (محمد تعرفيه، صديقي الطيب الخجول) من يا أمي؟! هل تشعرين بي يا أمي وأنا أبكي أم سيد. أعطيني يا أمي صدرك كي أبلل جرحه بدموعي. ألم أقل لكي يا أمي أن للكوادي رائحة الموت، وللموت رائحة الكوادي. وأن لأم سيد رائحة الموت وللموت رائحة الأحباب. وأنت يا أمي أعز الأحباب.

ـــــــــــ

* إبراهيم فهمي كاتب قصة نوبي توفي في أوائل الأربعينيات من عمره، اقتبست طريقته في الكتابة وصغت بها هذا النص.

مقدمة لا بد منها

Posted: 5 أكتوبر 2010 in نصوص وخواطر
الوسوم:,

مقدمة مجموعة نصوص صدرت في طبعة خاصة محدودة جدا

بعنوان: أوجاع “عشرة أعوام من الكآبة اغتربت فيهم عن نفسي”

2003

(1)

لم أتصور يوما أنني سوف أكون كاتبا. ربما في حياتي العادية جدا أتصور نفسي قارئا متوسط الحال، أو فوق المتوسط قليلا. ولذلك جاءت هذه النصوص كتعبير أمين عن حقيقتي: هذه النصوص ليست حالة إبداعية لكاتب لديه معرفة واسعة، ورؤية وفلسفة للعالم والعلاقات بين البشر. هي شيء يخصني أنا فقط. لذا أرجو ممن تتاح لي فرصة عرضها عليه، وممن يجد القدرة على تحمل متابعة قراءتها، أن يضعها في حجمها، ولا يحمَلها أكثر مما تحتمل؛ فهي بالتعريف “نصوص شخصية” كتبتها كمجرد أفكار أو خواطر عن نفسي، الحياة، الحب، الشقاء، السفر، الغربة، الفراق، الانتظار، الذكريات، الحنين، الاشتياق، الشغف، التعاسة، الشعور بالمرارة، الشجن، البكاء، القمر، الأمنيات، الحزن، الحرمان، الوحدة، الكآبة، العزلة، والموت. ربما يشاركني بعض الناس أحاسيسي المدونة بها، ولكن أحتفظ بفكرة أنها لي وحدي. ربما لأني أشعر دوما بأنه لا توجد في الحياة أشياء تخصني وحدي. هذه ليست شروطا أضعها على عقلية قرائها، ولكنها قناعتي وأحكامي على ما كتبت.

(2)

ربما يبدو كلامي متناقض بعض الشىء. ولكن ليس ثمة من مفر أن تحمل تلك النصوص، ورؤيتي عنها بعض التناقضات. فالحياة نفسها مليئة بالتناقضات. ولكن إذا أمعنت النظر جيدا عزيزي القارىء القريب مني جدا وذلك لأنه لن يقرأها فقط سوى المقربين مني جدا فلسوف تجد أن التناقض الذي يبدو في الظاهر هو عبارة عن حالة من الانسجام الداخلي. أهم تناقض في تخيلي هو علاقتي أنا بما كتبت. فأنا أبدو في حياتي العامة الظاهرية (حازم ومنضبط وحاد حدَة ممزوجة بالتفاؤل.) ولكني في الواقع، كما وصفني أحد أصدقائي المقربين، “شديد الرومانسية”. ولذلك ستجد الكتابة الممزوجة بالتشاؤم والحزن والكآبة هي الأقرب إلى نفسي، بل الأكثر تعبيرا عن فهمي للواقع الذي لم أر في حياتي ما هو أقبح منه. عزائي الوحيد في الحياة، وهو ما يحقق معادلة الانسجام الصعبة ويلعب دور رمانة الميزان، أنني أمتلك قدرا وفيرا من الصبر والقدرة على التحمل والتمسك بالحياة والسعي لتغييرها.

(3)

كل ما يعجبني في كتاباتي تلك أنها قادرة على سكب دموعي دون أن أرغم على إيقافها كما أفعل دوما. فبالرغم من ضعفها الأدبي إن جاز ربطها بالأدب وركاكتها أحيانا؛ إلا أني أشعر أنها مفعمة بالأحاسيس (أحاسيسي أنا فقط!). ربما يجد من يقرأها في النهاية أنها لا تساوي شيء يذكر، وهذا صحيح بعض الشىء. ذلك لأنها بالفعل نصوص تخصني أنا فقط. فكل ما كتبته لا يخرج عن كونه حالة من “البوح الإنساني”، ربما يكون بوح من نفسي وإليها. فلم أتخيل وأنا أكتب أنه ربما سيكون هناك آخرين سوف يهتموا بها أو ستواتيهم الفرصة لقراءتها. لذا جاءت الكتابة دون أن تراعي أنه ربما سيكون هناك من يود أن يفهمها ويتواصل معها. هذا لا يعني أني أكتب أشياء غامضة ومستعصية على الفهم، أو أنني كنت من الممكن، لو كانت الحالة متغيرة بعض الشيء، أن أكتب ما هو أفضل من ذلك، بالعكس كنت لن أكتب شيئا على الإطلاق، وهذا لا يحتاج لتوضيح لأنني ببساطة شديدة لست مبدعا.

(4)

سيتعجب البعض من إحساسي بضعف ما أكتب. لا داعي للتعجب. فدوما ما أشعر بالضآلة والتفاهة الممزوجين بالتعاسة. البعض يصفني بأنني إنسان هام في الحياة وجيد ونبيل. ولكني طيلة الوقت يسيطر عليَ إحساس طاغي بأنني مجرد لا شيء، وأن ما يقوله عني البعض هو مجرد مجاملة لا أستحقها من ناس نبلاء بالفعل. طيلة الوقت أتمنى أن أكون أفضل مما أنا عليه. ولكن طيلة الوقت أيضا أشعر، بجانب حالة التمني تلك، بأنني مثلما قال “ماركيز” في رائعته “الحب في زمن الكوليرا”: “الفقير القبيح تنقضي حياته في التمنيات”. لقد وصفني صديق آخر من المقربين لي بأن بداخلي “شاعر ميت”. أعجبني بشدة ذلك التعبير لما يحتويه من دقة متناهية في الوصف لحالتي. ولكن ما أزعجني فيه أن الموتى لا يعنوا سوى أنهم أصبحوا غير موجودين بيننا. من الممكن أن يكونوا ملهمين للمبدعين، في حالة إن كانوا في حياتهم مؤثرين وأصحاب أوزان حقيقية. أما أنا فلا زلت حيا ولكن بلا وزن تقريبا.

(5)

كل ما أوده: أن لا يفهم أحدعن طريق الخطأ أنني أحاول صياغة طريقة جديدة للفت الانتباه إلى شخصيتي أو كتاباتي، بالعكس! ربما لن أجد من يلتفت إلى تلك النصوص، وربما لا أهتم بالأراء التي ستقال عنها بالسلب أو بالإيجاب، وربما أيضا بعد الانتهاء منها تظل حبيسة وحدتي. ما أود أن أقوله باختصار أنني شخص بسيط للغاية، ولم أهتم قط لحظة واحدة في حياتي بأي ثناء على شخصي أو أفعالي. فكل ما أفعله هو ما تمليه عليَ قناعتي، بصرف النظر عن النتائج ودوري فيها، ولذلك عشت حياتي بعيدا عن أي ضوء حتى لو كان خافتا.

(6)

آسف على التنميق الذي استعملته في جمع تلك النصوص وإخراجها. بالطبع لم أقصد أن تكون في أحسن حال. ولكنها واحدة من مشكلاتي في الحياة وهى أنني أتقن كل ما أفعله مهما كانت درجة أهميته أو تفاهته. ربما أيضا لا يعتبر البعض أن هذا تنميقا بل يعتبره قبحا.

أيضا ستجدون أن النصوص ليست مرتبة على حسب الموضوعات أو زمن الكتابة. فكل ما كنت أنتهي من كتابته كنت أضعه هكذا كيفما اتفق بدون مراعاة لأي شيء. فلم يكن الهدف من جمعها إخراج مجموعة تحمل نصوصا منسجمة مع بعضها البعض، كان الهدف أن أضعها أمامي بطريقة تسمح لي بالتعامل السريع والسلس معها دون أن ترهقني كمية الأوراق التي احتفظ بها. أيضا خوفا من ضياعها. ولكن على كل حال فهذه النصوص كتبت في الفترة ما بين عامي 1993 و2002. ولذلك أشرت في عنوانها الجانبي أنها “عشرة أعوام من الكآبة”.

سيتساءل البعض لماذا كل هذا الاهتمام بجمع نصوص تبدو تافهة، أو في أفضل الأحوال ليست ذات شأن؟ الإجابة باختصار أن تلك النصوص هي الوحيدة التي ظلت في حياتي المليئة بالإزعاجات تذكرني بنفسي وبالذكريات والأشياء التي سببت لي العديد من الأوجاع المؤلمة والشجية في نفس الوقت، على مدار أسوأ فترة عشتها في حياتي. لذلك جمعتها لتطاردني لكي لا أنسى. أيضا لكي تذكرني بنفسي في فترة اغتربت فيها عن نفسي.

(7)

أشكر كل من شجعني بطريقة أو بأخرى على جمع تلك النصوص… هاني، عاطف، حسام

وأخص بالشكر كلا من تامر، وليد، دينا

.. وأخيرا ذكرى أبي.

تنويعات الحزن (12)

Posted: 3 أكتوبر 2010 in نصوص وخواطر
الوسوم:,

ـ “أنت طيب جدا وجميل

أنت نبيل حقا

تذكرني دوما بالمسيح”

ـ سيدتي إن الأوسمة والنياشين التي منحتيني إياها

أثقلت صدري، فدفعت به لأسفل فانحنى .. وسقطت

أشجان (9)

Posted: 2 أكتوبر 2010 in نصوص وخواطر
الوسوم:,

أنا كنت ناوي أدفن رغبتي فيكي، وأودعك لحد آخر نفس. بس انتي نويتي تصوميني، فرحلت قبل ما يدن عليًا المغرب ونا الغريب في البلد دي.. وسبقت الشمس لحد الحتة العتمة ونمت.

للموت.. للموت فقط!

Posted: 30 سبتمبر 2010 in نصوص وخواطر
الوسوم:,

..للموت أهدي هذا النص

شبرا الخيمة

8 أبريل 1994

(1)

-ولدت وحدك .. وتعيش وحدك .. وتموت وحدك-

م .. و .. ت

ثلاثة حروف وتنتهي، تنتهي الحقيقة

وأنتهي قبل اكتمال المخاض، أول الشهيق

ميم .. موت بدأت، واو .. وحيد جئت، التاء .. تاء الفاعل، لم أفعل شيء

-حزين عليّ يوم وُلدت، ويوم أموت، ويوم لا أبعث حيا-

(2)

-ومن يتخذ غير الاشتراكية سبيلا، فسوف يضل الطريق-

يا رفاقي .. معذرة! لم يعد لي حل إلا الموت -ثبت الوعي خطاكم-

فلتشيعوا جنازتي على موسيقى “ضيعانو”* الحزينة

وتذكروا دائما أنني كنت ثوريا حتى أخمص قدمي

ولكنني في نعومة الفراشات التي لا تستطيع أن تلمس غير الزهور

هل زهور المقابر يفوح منها العبير؟!

ربما حين أشم الوردة الحمراء، أبعث من جديد.. في عالم سعيد

فلا تنسوا صوتي .. صورتي .. قلبي الضعيف، حتى لا تخطئوني، وأرتمي من جديد، بعيد.. وحيد

(3)

-يسألونك عن الثورة .. فيها قتال؟ فيها قتال طويل-

قبل أن تسقط يداك، وقبل أن تعانق التراب للأبد

أُطلب من الله أن تموت ملحدا، وأن تكون عظامك إحدى متاريس “الكوميونات”

وبدون تردد .. أبصق في وجه عالم سمته الأساسية صراع الطبقات

(4)

-حُرمِّ عليكم النقاش كما حرم على الذين من قبلكم، لعلكم لاتفهمون. إن المفكرين كانوا إخوان الشياطين-

آرانا ما بين التواءات الجروح، فتتعثر الحروف في فمي، وينساب من الذكريات.. الوهم.. الكهف

فيغتال الأفكار وقت المضاجعة، ويعانق التردي والسقوط

وفي قلب أحشائي، وبين ثنيات جلدي أنكمش.. وأموت

(5)

يا أيها المدثر .. لا تتدثر .. لا تنم. قم الليل بطوله وعرضه وعمقه. فأنت خلقت للبرد .. والدفء لك مستحيلا

أقضي نصف الليل في انتظار الفتاة القاطنة أمامي، آملا أن تفتح شرفتها، وأراها تغير ملابسها

يؤرقني نهداها المحبوسان في “السوتيان” الخانق

والنصف الآخر أقضيه في مضاجعة الحرمان

من أين لي بحبيبة .. نتحقق .. نتوحد ويتحقق حلمي في الطير عبر الإيلاج

(6)

يعلم الظاهر والباطن، وما تخفيه الصدور. يعلم كل شيء .. كل شيء، إلا الحقيقة

سُرِقت مني السنين. أفنيت العمر بحثا ولم أجد

وتضيع مني الملامح في الوجوه المستعارة. والسؤال كما هو: هل أستطيع؟

ـ مقتول أنا. والقاتل كنت يا وجه العالم المتجمد.

ـ لم يستطع أن ينقذني من الموت، كوني محبا للحياة.

ـ تتهمني العواصف بالهشاشة، والحنين المتدفق للأمنيات.

وتقتلعني من بذوري الأمواج في الصحراء. في حين أن النخيل مازال شامخا، ولكنه مات!! بعدما فقد العابرين للأبد

ـ هل تستطيع أن تستمر بعدما التهم الصيف اللزج .. الربيع، بلا اكتراث لفتاة تنعي بكارتها المسلوبة فوق الجبل الليلي

.. يا رفاقي .. لا تتركوني أبحث وحدي في الفضاء عن الحقيقة. لا تتركوني للملل.. للضياع، وتستمروا في الرحيل

لا تتركوا جسدي النحيل يتحلل موتا في العفن

فأنا الحليب.. وأنا الشجن!!

(7)

والليل إذا بكى، والنجم إذا هوى، ما رأيتك ياصبح، والقلب منك ارتوى

سوداوي أنا، لأن الكون أسود

فليشهد عليّا الليل أنني انتظرت الصباح عدّا في النجوم -أربع وعشرون واختفت-

كان البرد شديدا والليل حالكا، حاصرني، حاولت الإفلات منه، أمسكني، حاولت..

لقد نلت شرف المحاولة!!.

(8)

يا أيتها النفس الغاضبة، عودي إلى التراب، عانقيه للأبد

وِشَاح أسود، وصورة للذكرى، ودمعتان -وكفى الله المشيعين البكاء-

فلتبتلعكم طاحونة الحياة.

الحياة عندي هي أن نعيش للأبد، هي رفض الموت، هي قتل الموت

هل نستطيع أن نقتل الموت، ويموت للأبد؟ هل؟!!

(9)

ملحوظة:ـ

اكتشفت أن الحياة اكذوبة أبريل هذا العام!!

ـــــــــــــ

* ضيعانو ـ موسيقى لزياد رحباني في ألبوم “كيفك إنت” لفيروز