رن جرس الهاتف، رقم ليس مسجلا عندي، تعد هذه من المرات القليلة التي أرد فيها على مثل تلك المكالمات. جاءني الصوت رقيقا ضعيفا وبعيدا لفتاة خمنت أنها في نهاية عشرينياتها مما أثار شغفي وفضولي أكثر لمعرفة هوية المتحدثة. لم أتأكد من سماعي اسمها جيدا حين طلبت منها أن تعيده للمرة الثانية على مسامعي بعدما مر في المرة الأولى مجرد همس. تأكد الجالسون حولي أنني بصدد الحديث مع أنثى ولم أنكر ذلك فقد كان صوتي واضحا تماما وأنا أحدثها بضمير المؤنث، تعجبت زوجتي من ذلك الوضوح في حضرة غرباء.
خلعت ملابسي لاستحم في الشرفة المكشوفة لبنايات عدة تحيط بمكاني، فشلت في ذلك فالموعد الذي ضربته لها كاد أن يداهمني وقته، غير أنني شعرت بالحرج من أن يراني أحد رغم خلو الشرفات من أي شخص، علاوة على صعوبة الحصول على مياه في الشرفة بالإضافة إلى برودة الجو.
ارتديت ملابس أخرى على عجل متأهبا للنزول. سألني الموجودون عن حال الفتاة التي هاتفتني فقلت بكل طلاقة أنا ذاهب لمقابلتها حالا، تنحت زوجتي جانبا كمؤشر لغضبها من ذلك، ولكي أنقذ الموقف قلت أني سأصطحب ابني معي، كان أصغر كثيرا مما هو عليه الآن.
ركبنا سيارة أجرة وفي الطريق نده السائق على محطتي فأكدت عليه ونزلنا. كان المكان عبارة عن مقهى صغير في الطابق الثاني يعلو مدرسة دولية، دخلنا المكان وصعدنا السلم وفي نهاية الممر المؤدي إلى داخل المقهى وجدتها وحدها في المكان جالسة متلفحة بشال يغطي معظم وجهها الذي كان أحد جانبيه متورما للدرجة التي استطعت فيها ملاحظته من تلك المسافة التي تعد بعيدة نسبيا. شكلها في المجمل والطريقة التي تجلس بها لا يوحيان بصغر عمرها، وحين اقتربت منها وقبل أن أتبينها جيدا بادرتني بالقول أنها اضطرت بعد أنا فاض بها الكيل أن تهاتفني كي تراني بعد غيابي عنها لسنين طالت عليها. احتضنت ابني وقبلته ولم يهب أو يشمئز من تضخم جانب وحهها الأيمن. تأكدت منها فاختنق صوتي والدموع بداخلي طالبا منها الصفح ملثما جبينها ويديها غير مصدق رؤيتها ثانية.. كانت أمي.